07-23-2003, 12:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب النصر عند الجهاد في سبيل الله
من المعلوم يقيناً أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم ، بإذن الله تعالى ، ومن هذه الأسباب ما يأتي :
1- الإيمان والعمل الصالح :
وعد الله المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم ، وذلك بإظهار دينهم ، وإهلاك عدوهم ، وإن طال الزمن ، قال تعالى : (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار )) . سورة غافر الآيتان 51- 52 . والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بقوله تعالى : (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم )) . سورة الأنفال الآيات 2- 4 . وقال تعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئأ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )) . سورة النور الآية 55 . وقال الله تعالى : (( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً )) . سورة النساء الآية 141 .
2- نصر دين الله :
ومن أعظم أسباب النصر : نصر دين الله تعالى والقيام به قولاً ، واعتقاداً ، وعملاً ، ودعوة . قال الله تعالى : (( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )) . سورة الحج الآيتان 40- 41 . وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم * والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم )) . سورة محمد الآيتان 7- 8 . وقال تعالى (( وإن جندنا لهم الغالبون )) . سورة الصافات الآية 173 .
3- التوكل على الله والأخذ بالأسباب :
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر؛ لقول الله تعالى : (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) . سورة المائدة الآية 11 . وقال سبحانه : (( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) . سورة آل عمران الآية 160 . وقال تعالى (( فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )) . سورة آل عمران الآية 159 . وقال عز وجل : (( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً )) . سورة الأحزاب الآية 3 .
وقال سبحانه : (( وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً )) . سورة الفرقان الآية 58 . وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطاناً )) . الترمذي ، كتاب الزهد ، باب في التوكل على الله ، برقم 2344 ، وابن ماجه ، كتاب الزهد ، باب التوكل واليقين ، برقم 4164 ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2 / 274 .
ولا بد مع التوكل من الأخذ بالأسباب ؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين :
الأول : الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصر تعالى .
الثاني : الأخذ بالأسباب المشروعة ، ولهذا قال الله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون )) . سورة الأنفال الآية 60 . وعن أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً قال : يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل ؟ قال : (( اعقلها وتوكل )) . الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، باب حديث اعقلها وتوكل ، برقم 2517، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ، 2/ 309 .
4- المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه مع كمال عقله وسداد رأيه امتثالاً لأمر الله تعالى وتطييباً لنفوس أصحابه ، قال الله تعالى : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )) . سورة آل عمران الآية 159 . وقال سبحانه : (( وأمرهم شورى بينهم )) . سورة الشورى ، الآية 38 .
5- الثبات عند لقاء العدو :
من عوامل النصر الثبات عند اللقاء ، وعدم الانهزام والفرار فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه التي خاضها ، كما فعل في بدر ، وأحد وحنين ، وكان يقول في حنين حينما ثبت وتراجع بعض المسلمين : (( أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب . اللهم نزل نصرك )) . متفق عليه : البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب من قاد دابة غيره في الحرب ، برقم 2864 ، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة حنين ، برقم 1776 عن البراء بن عازب – رضي الله عنه - .
وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا الحسنة قال الله – عز وجل - : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )) . سورة الأحزاب الآية 21 . وثبت أصحابه من بعده – رضي الله عنهم - . وعن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يا أيها الناس ، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف )) . متفق عليه : البخاري برقم 2818 ، ومسلم برقم 1742 ، وتقدم تخريجه .
6- الشجاعة والبطولة والتضحية :
من أعظم أسباب النصر : الاتصاف بالشجاعة والتضحية بالنفس والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ولا يؤخره ، قال الله تعالى : (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) . سورة النساء الآية 78 .
قال الشاعر :
من لم يمت بالسيف مات بغيره ***** تعددت الأسباب والموت واحد
ولهذا كان أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة هو إمامهم محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد ظهرت شجاعته في المعارك الكبرى التي قاتل فيها ومنها على سبيل المثال :
أولاً : شجاعته البطولية الفذة في معركة بدر ، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - : (( لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً )) . أحمد في المسند ، 1/86 ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، 2/ 143 .
وقال – رضي الله عنه - : (( كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه )) . الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، 2 / 143 ، وعزاه ابن كثير في البداية والنهاية 3 / 279 إلى النسائي .
ثانياً : في معركة أحد قاتل قتالاً بطولياً لم يقاتله أحد من البشر . انظر : زاد المعاد ، 3 / 199 .
ثالثاً : في معركة حنين : قال البراء : كنا إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به يعني النبي صلى الله عليه وسلم . مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة حنين ، برقم 1776 .
وركوبه صلى الله عليه وسلم على البغلة في معركة حنين وغيرها يدل على شجاعته العظيمة ؛ ولهذا ذكر العلماء أن ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس : هو النهاية في الشجاعة والثبات ؛ لأن ركوب الفحولة أو الفرس مظنة الاستعداد للفرار والتولي ، وكذلك نزوله إلى الأرض حين غشوه يدل على المبالغة في الثبات ، والشجاعة والصبر . انظر : شرح النووي على صحيح مسلم ، 12 / 358 ، وفتح الباري لابن حجر ، 8 / 32 .
ومما يؤكد ذلك رواية لمسلم عن سلمة – رضي الله عنه – قال فيها : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد رأى ابن الأكوع فزعا )) فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب الأرض ، ثم استقبل به وجوه القوم فقال : (( شاهت الوجوه )) ، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فولوا مدبرين ، فهزمهم الله ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين )) .
قال العلماء : قوله : (( منهزماً )) حال من ابن الأكوع وليس النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم 12 / 364 .
شاهت الوجوه : أي قبحت والله أعلم . انظر : شرح النووي على صحيح مسلم ، 12 / 365 .
الحديث رواه مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة حنين ، برقم 1777 .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشر غزوة قاتل في ثمان منهن . مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1814 .
بل ذكر النووي – رحمه الله – وغيره أنه كان عدد سراياه صلى الله عليه وسلم التي بعثها ستاً وخمسين سرية ، وسبعاً وعشرين غزوة ، وقاتل في تسع من غزواته . انظر شرح النووي على صحيح مسلم ، 12 / 436 ، وانظر : البداية والنهاية لابن كثير 3 / 241 ، و5 / 216- 217 ، وزاد المعاد لابن القيم ، 3 / 5 .
وهكذا أصحابه – رضي الله عنهم – ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان . فينبغي للمجاهدين أن يقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )) . سورة الأحزاب الآية 21 .
وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس ، فعن أنس – رضي الله عنه – قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وأجود الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت ، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : (( لم تراعوا ، لم تراعوا )) وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج .. )) . متفق عليه : البخاري ، كتاب الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل ، برقم 6033 ، ومسلم ، كتاب الفضائل ، باب في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب ، برقم 2307 .
7- الدعاء وكثرة الذكر :
من أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله وكثرة ذكره ؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ونصر أوليائه ، قال تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )) . سورة البقرة الآية : 186 . وقال : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) . سورة غافر الآية : 60 . وقال – عز وجل - : (( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين )) . سورة الأنفال الآية : 9 . وقد أمر الله بالذكر والدعاء عند لقاء العدو ، قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون )) . سورة الأنفال 45 . ؛ لأنه سبحانه النصير فنعم المولى ونعم النصير . وقال سبحانه وتعالى : (( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم )) . سورة آل عمران 126 . ؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعوا ربه في معاركه ويستغيث به ، فينصره ويمده بجنوده ، ومن ذلك أنه نظر صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه واستغاث بالله ، وما زال يطلب المدد من الله وحده ماداً يديه حتى سقط رداءه عن منكبيه ، فأتاه أبوبكر – رضي الله عنه – فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله – عز وجل - : (( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين )) . سورة الأنفال الآية : 9 . فأمده الله بالملائكة . متفق عليه : البخاري ، كتاب المغازي ، باب قول الله تعالى : ( إذا تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) برقم 3953 ، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة ، برقم 1763 .
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله في جميع معاركه ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ]مجري السحاب[ ] هازم الأحزاب [اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم )) . مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو ، برقم 1742 من حديث عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنهما - .
وعن أنس – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال : (( اللهم أنت عضدي ، وأنت نصيري ، بك أحول ، وبك أصول ، وبك أقاتل )) . أنت عضدي : يعني عوني . سنن الترمذي برقم 3584 . أحول : أي أتحرك ، قيل : احتال ، وقيل : أدفع وأمنع ، من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر . النهاية في غريب الحديث ، باب الحاء مع الواو 1/ 462 ، وانظر : عون المعبود ، 7 / 296 . والحديث رواه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب ما يدعى عند اللقاء ، برقم 2632 ، واللفظ له ، والترمذي بنحوه ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا غزا ، برقم 3584 ، وحسنه وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ، 2 / 499 ، وفي صحيح الترمذي 3 / 183 .
وعن أبي بردة بن عبد الله أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال : (( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم )) . أبو داود ، كتاب الوتر ، باب ما يقول الرجل إذا خاف قوماً ، برقم 1537 ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، 2 / 142 ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، 10 / 286 .
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما - : (( حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم حين ألقي في النار ، وقالها محمد حين قال له الناس (( إن الناس قد جمعوا لكم )) . البخاري ، كتاب التفسير ، سورة آل عمران ، باب قوله : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) برقم 4563 ، 4564 .
وهكذا ينبغي أن يكون المجاهدون في سبيل الله تعالى ؛ لأن الدعاء يدفع الله به من البلاء ما الله به عليم .
فعن سلمان – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر )) . الترمذي ، كتاب القدر ، باب ما جاء : لا يرد القدر إلا الدعاء ، برقم 2139 ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ، 2 / 225 ، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة ، برقم 154 .
8- طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم :
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر ، فيجب على كل مجاهد في سبيل الله تعالى بل على كل مسلم أن لا يعصي الله طرفة عين ، فما أمر الله تعالى به وجب الائتمار به ، وما نهى عنه تعالى وجب الابتعاد عنه ، ولهذا قال تعالى : (( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )) . سورة الأنفال الآية : 46 . وقال سبحانه وتعالى : (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) . سورة النور الآية : 52 . وقال تعالى : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً )) . سورة الأحزاب الآية : 36 . وقال تعالى : (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) . سورة النور الآية : 63 . وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده ل ا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم )) . أحمد بلفظه ، 2/ 92 ، والبخاري معلقاً ، كتاب الجهاد ، باب ما قيل في الرماح ، في ترجمة الباب قبل الحديث رقم 2914 . وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالى – أثناء تقريره على البخاري الحديث رقم 2914 يقول : (( إسناده حسن )) .
9- الاجتماع وعدم النزاع :
يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله ، والتكاتف ، وعدم النزاع والافتراق ، قال الله تعالى : (( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )) . سورة الأنفال الآية : 46 . وقال – عز وجل - : (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) . سورة آل عمران الآية : 103 . وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً )) . سورة النساء الآية : 59 .
10- الصبر والمصابرة :
لابد من الصبر في الأمور كلها ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله ، والصبر ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وصبر عن محارم الله ، وصبر على أقدار الله المؤلمة . قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )) . سورة آل عمران الآية : 200 . وقال سبحانه وتعالى : (( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )) . سورة الأنفال الآية : 46 . وجاء في الخبر : (( واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا)) . مسند أحمد ، 1 / 307 ، وقد تكلم على الحديث الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم ، 2 / 459، فينظر . وقال تعالى : (( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين )) . سورة آل عمران الآيات 146 – 148 .
11- الإخلاص لله تعالى :
لا يكون المقاتل والغازي مجاهداً في سبيل الله إلا بالإخلاص ، قال الله تعالى : (( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس )) . سورة الأنفال الآية : 47 . وقال سبحانه : (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )) . سورة العنكبوت الآية : 69 . وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر . والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : (( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )) . يقاتل للذكر : أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة . والحديث متفق عليه : البخاري ، برقم 2810، ومسلم ، برقم 1904 ، وتقدم تخريجه .
وقد ثبت عنه – عليه الصلاة والسلام – أن أول من يقضى عليه يوم القيامة ثلاثة وذكر منهم من قاتل ليقال : هو جرئ – أي شجاع - . مسلم ، كتاب الإماره ، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار ، برقم 1905 .
12- الرغبة فيما عند الله :
مما يعين على النصر على الأعداء هو الطمع في فضل الله وسعادة الدنيا والآخرة ؛ ولهذا نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ، ومما يدل على الرغبة فيما عند الله تعالى ما يأتي :
أولاً : ما فعل عمير بن الحمام في بدر حينما قال عليه الصلاة والسلام : (( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )) فقال يا رسول الله ، جنة عرضها السماوات والأرض ؟ قال : ( نعم ) قال : بخ بخ ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ )) قال : لا والله يا رسول الله ، إلا رجاء أن أكون من أهلها . قال : (( فإنك من أهلها )) . فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل . بخ بخ : كلمة تقال لتعظيم الأمر وتفخيمه في الخبر . قرنه : أي جعبة النشاب . والحديث رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد ، برقم 1901 .
ثانياً : ما فعل أنس بن النضر – عم أنس بن مالك – يوم أحد . تأخر – رضي الله عنه – عن معركة بدر ، فشق عليه ذلك وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه وإن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراني الله تعالى ما أصنع ، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس : يا أبا عمرو واهاً لريح الجنة ، أجده دون أحد ، فقاتلهم حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ، فما عرفته أخته – الربيع بن النضر – إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً )) . سورة الأحزاب الآية : 23 . فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه . واها : كلمة تحنن وتلهف . والحديث متفق عليه : البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة أحد ، برقم 4048، ومسلم واللفظ له ، كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد ، برقم 1903.
والمسلم المجاهد في سبيل الله تعالى إذا رغب فيما عند الله تعالى ، فإنه لا يبالي بما أصابه رغبة في الفوز العظيم .
فلست أبالي حين أقتل مسلماً **** على أي جنب كان في الله مصرعي
13- إسناد القيادة لأهل الإيمان :
من أسباب النصر تولية قيادة الجيوش ، والسرايا ، والأفواج ، والجبهات لمن عرفوا بالإيمان الكامل والعمل الصالح ، ثم الأمثل فالأمثل ؛ لقول الله تعالى : (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) . سورة الحجرات الآية : 13 . والله – عز وجل – يحب أهل التقوى ، ومحبته سبحانه للعبد من أعظم الأسباب في توفيق عبده وتسديده ونصره على أعدائه ، قال الله تعالى : (( بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين )) . سورة آل عمران الآية : 76.
14- التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب :
إن العباد لهم منجيات ودعائم تنجيهم من المهالك والهزائم إذا حلت بهم ، وهذه الأمور هي من أعظم العلاج لمن أصيب بالمهلكات أو الحروب والأوبئة ، وهي كذلك وقاية من حلول المصائب قبل نزولها ، وتتلخص في اتباع الدعائم المنجيات الآتية :
أولاً : التوبة والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها ولا تقبل التوبة إلا بشروط على النحو الآتي :
1- الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها .
2- العزيمة على عدم العودة إليها .
3- الندم على فعلها . فإن كانت المعصية في حق آدمي فلها شرط رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق ، ولا تنفع التوبة عند الغرغرة أو بعد طلوع الشمس من مغربها . ولا شك أن التوبة النصوح والاستغفار من أعظم وسائل النصر ، قال الله تعالى : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ومالهم من دونه من وال )) . سورة الرعد الآية : 11 . وقال الله سبحانه وتعالى : (( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )) . سورة الأنفال الآية : 33 .
ثانياً : تقوى الله تعالى ، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك . وهي كما قال طلق بن حبيب – رحمه الله – (( أن تعمل بطاعة الله على نور من الله تخاف عقاب الله )) . جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/ 400 .
ثالثاً : أداء جميع الفرائض واتباعها بالنوافل ؛ لأن محبة الله لعبده تحصل بذلك ، فإذا أحبه نصره ، ووفقه ، وسدده وأعانه ؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مسأته )) . البخاري ، كتاب الرقاق باب التواضع ، برقم 6502 .
رابعاً : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لحديث حذيفة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم )) . الترمذي ، كتاب الفتن ، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، برقم 2169 ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2 / 223 ، وصحيح الجامع ، 6 / 99 .
وقال الله تعالى : (( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون )) . سورة الأعراف الآية : 165 .
خامساً : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات ، والأقوال والأفعال .
سادساً : الدعاء والضراعة إلى الله تعالى .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
مركز الإعلام الإسلامي العالمي
Global Islamic Media Centre
http://groups.yahoo.com/group/globalislamicmedia