Thread Review (Newest First) |
Posted by Muslimah - 02-18-2004, 08:10 AM |
Quote:<i>Originally posted by hefny </i><b>الافتقار إلى الله لُبُّ العبودية 25/12/1424 </b>الله ماشاء الله اللهم اجعلنا منهم آمين |
Posted by hefny - 02-17-2004, 09:07 AM |
الافتقار إلى الله لُبُّ العبودية 25/12/1424 الشيخ أحمد الصويان الحمــد للــه رب العـالمين، والصلاة والسلام على أشـــرف الأنبيــاء والمرســلين.. وبعد: من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق إلى الله تعالى، فهـو: «حقيقــة العبــودية ولبُّها»(1). قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْـحَمِيدُ} [فاطر: 15]، وقال ـ تعالى ـ فـي قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ: {فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]. عرَّفه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله: «حقيقة الفقر: أن لا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر». ثم قال: «الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة مـن ذراتــه الظاهـرة والباطنـة فاقـة تامـة إلى الله ـ تعالى ـ من كل وجه»(2). فالافتقار إلى الله ـ تعالى ـ أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه ـ عـز وجل ـ متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته. قال الله ـ تعالى ـ: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 ـ 163]. قال يحيى بن معاذ: «النسك هو: العناية بالسرائر، وإخراج ما سوى الله ـ عز وجل ـ من القلب»(3). والمتأمل في جميع أنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هي الصفة الجامعة لها، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة، وحسبك أن تتأمل في الصلاة أعظم الأركان العملية، فالعبد المؤمن يقف بين يدي ربه في سكينة، خاشعاً متذللاً، خافضاً رأسه، ينظر إلى موضع سجوده، يفتتحها بالتكبير، وفي ذلك دلالة جليَّة على تعظيم الله ـ تعالى ـ وحده، وترك ما سواه من الأحوال والديار والمناصب. وأرفع مقامات الذلة والافتقار أن يطأطئ العبد رأسه بالركوع، ويعفِّر جبهته بالتراب مستجيراً بالله منيباً إليه، ولهذا كان الركوع مكان تعظيم الله تعالى، وكان السجود مكان السؤال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)(4). ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في ركوعه: «اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي»(5). قال الحافظ ابن رجب: «إشارة إلى أن خشوعه في ركوعه قد حصل لجميع جوارحه، ومن أعظمها القلب الذي هو ملك الجوارح والأعضاء، فإذا خشع خشعت الجوارح والأعضاء كلها؛ تبعاً له ولخشوعه». ثم قال: «ومـن تمام خشـوع العبد لله ـ عز وجل ـ وتواضعه في ركوعه وسجوده؛ أنَّه إذا ذلَّ لربه بالركوع والسجود، وصف ربه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو، فكأنه يقول: الذل والتواضع وَصْفي، والعلو والعظمة والكبرياء وَصْفك»(6). إنَّ هذه المنزلة الجليلة التي يصل إليها القلب هي سرُّ حياته وأساس إقباله على ربه سبحانه وتعالى؛ فالافتقار حادٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ يحدو العبد إلى ملازمة التقوى ومداومة الطاعة. ويتحقق ذلك بأمرين متلازمين؛ هما: الأول: إدراك عظمة الخالق وجبروته: فكلما كان العبد أعلم بالله ـ تعالى ـ وصفاته وأسمائه كان أعظم افتقاراً إليه وتذللاً بين يديه، قال الله ـ تعالى ـ: { إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وقال: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَـمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109] . وقال الفضيل بن عياض: «أعلم الناس بالله أخوفهم منه»(7)، وقال: «رهبة العبد من الله على قدر علمه باللّه»(8). وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: «أصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وجلاله وكماله؛ فمن كان بالله أعرف فهو له أخشع. ويتفاوت الخشوع في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع»(9). ومَنْ تدبر الآيات البينات والأحاديث الشريفات التي جاء فيها ذكر صفاته العلى وأسمائه الحسنى؛ انخلع قلبه إجلالاً لربه، وتعظيماً لمقامه، وهيبة لسطوته وجبروته سبحانه وتعالى. قال ـ تعالى ـ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْـحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]. وقال ـ تعالى ـ: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْـمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 59 - 61]. وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون)(10). قال الإمام ابن القيم: «القرآن كلام الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته، فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس، وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء. وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال، وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، فيستنفد حبُّه من قلب العبد قوة الحب كلها؛ بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح عبده فارغاً إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء ..». ثم قال: «.. وجماع ذلك: أنه ـ سبحانه ـ يتعرف إلى العبد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همَّه دون ما سواه. ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه، والافتقار إليه، والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له»(11). وعرّف ابن القيم الخشوع بأنه: «خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء، وشهود نعم الله، وجناياته هو؛ فيخشع القلب لا محالة، فيتبعه خشوع الجوارح»(12). الثاني: إدراك ضعف المخلوق وعجزه: فمن عرف قدر نفسه، وأنَّه مهما بلغ في الجاه والسلطان والمال فهو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفاً ولا عدلاً؛ تصاغرت نفسه، وذهب كبرياؤه، وذلَّت جوارحه، وعظم افتقاره لمولاه، والتجاؤه إليه، وتضرعه بين يديه. قال ـ عز وجل ـ: {فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق: 5 ـ 10]. وقد جمع الإمام ابن القيم بين هذين الأمرين بقوله: «مَنْ كملت عظمة الحق ـ تعالى ـ في قلبه؛ عظمت عنده مخالفته؛ لأن مخالفة العظيم ليست كمخالفة مَنْ هو دونه. ومَنْ عرف قدر نفسه وحقيقتها؛ وفقرها الذاتي إلى مولاها الحق في كل لحظة ونَفَس، وشدة حاجتها إليه؛ عظمت عنده جناية المخالفة لمن هو شديد الضرورة إليه في كل لحظـة ونَفَـس. وأيضـاً فإذا عـرف حقارتها ـ مع عظم قدر من خالفه ـ؛ عظمت الجناية عنده؛ فشمَّر في التخلص منها، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به؛ يكون تشميره في التخلص منها، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به؛ يكون تشميره في التخلص من الجناية التي تلحق به»(13). -------------------------------------------------------------------------------- (1) مدارج السالكين، (439/2). (2) المرجع السابق، (440/2). (3) ذم الهوى، لابن الجوزي، (ص 69). (4) أخرجه: مسلم في كتاب الصلاة، (1/ 843)، رقم (974). (5) أخرجه: مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، (1/ 535)، رقم (177). (6) الخشوع في الصلاة، لابن رجب الحنبلي، ص (14 ـ 34). (7) سير أعلام النبلاء، (8/ 724). (8) المرجع السابق، (426/8). (9) الخشوع في الصلاة، (ص 02). (10) أخرجه: مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، (2148/4)، رقم (2788)، واللفظ له، وأخرجه البخاري مختصراً في كتاب التوحيد، (393/13)، رقم (7412). وأخرجه أبو داود في كتاب السنة، (234/4)، رقم (4732) بلفظ: (ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن بيده الأخرى). (11) الفوائد، (ص 28 ـ 81). (12) الروح، (ص 232). (13) مدارج السالكين، (/1 541 ـ 144). |